سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قلت: {ها أنتم}: أصله: أنتم، دخلت عليه هاء التنبيه، وقال الأخفش: أصله: أأنتم، فقلبت الهمزة الأولى هاء، كقوله: هرقت. وتوجيه القراءات معلوم في محله، و{أنتم}: مبتدأ، و{هؤلاء}: خبره، و{حاججتم}: جملة مبينة للأولى، أو {حاججتم}: خبر، و{هؤلاء}: منادى بحذف النداء، و{حنيفاً}: حال، أي: مائلاً عن الأديان إلا دين الإسلام.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {يا أهل الكتاب لم تُحاجون في إبراهيم}، ويدعي كل فريق أنه كان على دينه، {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده}، فكيف يكون يهوديّاً، ودينكم إنما حدث بعد إبراهيم بألف سنة؟! وكيف يكون نصرانيّاً، ودين النصارنية إنما ظهر بعد إبراهيم بألفي سنة؟! {أفلا تعقلون} فتدعون المحال، {هاأنتم} يا {هؤلاء} الحمقى {حاججتم فيما لكم به علم} من أمر محمد- عليه الصلاة والسلام- ونبوته، مما وجدتموه في التوراة والإنجيل، فأنكرتموه عناداً وحسداً، فَلِمَ تجادلون فيما لا علم لكم به، ولا ذكر في كتابكم من شأن إبراهيم؟ {والله يعلم} ما خصمتم فيه، {وأنتم لا تعلمون}، بل أنتم جاهلون.
ثم صرّح بتكذيب الفريقين فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً} مائلاً عن العقائد الزائفة، {مسلماً} منقاداً لأحكام ربه. وليس المراد أنه كان على ملة الإسلام، وإلا لكان مشترك الإلزام، لأن دين الإسلام مؤخر أيضاً، فكان إبراهيم إمام الموحدين، {وما كان من المشركين} كما عليه اليهود والنصارى والمشركون. ففيه تعريض بهم، ورد لادعائهم أنهم على ملته.
ثم ذكر مَنْ أولى الناس به، فقال: {إن أولى الناس بإبراهيم} أي: أخصهم به وأقربهم منه، {للذين اتبعوه} من أمته في زمانه، {وهذا النبيّ} محمد صلى الله عليه وسلم، {والذين آمنوا}؛ لموافقتهم له في أكثر الأحكام، قال صلى الله عليه وسلم: «لكُلِّ نَبيَ وُلاة مِنَ النَّبيِّينَ، وإنَّ وَلِيِّي منهم أبِي وَخَلِيل ربِّي» يعني إبراهيم عليه السلام، {والله ولي المؤمنين} أي: ناصرهم على سائر الأديان، ومجازيهم بغاية الإحسان.
الإشارة: ترى كثيراً من المتفقرة يخصون الكمال بطريقهم، ويخاصمون في طريق غيرهم، وهي نزعة أهل الكتاب، حائدة عن الرشد والصواب، فأولى بالحق من اتبع السنة المحمدية، وتخلق بالأخلاق المرضية، وزهد في الدارين، ورفع همته عن الكونين، ورفع حجاب الغفلة عن قلبه، حتى أشرقت عليه أنوار ربه، واتصل بأهل التربية النبوية، فزجوا به في بحار الأحدية، ثم ردوه إلى مقام الصحو والتكميل، فيا له من مقام جليل، فهذه ملة إبراهيم الخليل، وبها جاء الرسول الجليل حبيب الرحمن، وقطب دائرة الزمان، سيد المرسلين، وإمام العارفين، ورسول رب العالمين، صلى الله عليه وسلم دائماً إلى يوم الدين.


قلت: {لو}: مصدرية، أي: تمنوا إضلالكم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: لبعض المسلمين- وهم حذيفة وعمار ومعاذ- دعاهم اليهود إلى دينهم وطمعوا فيهم: {ودت طائفة} أي: تمنت طائفة {من أهل الكتاب لو يُضلونكم} أي: يفتنونكم عن دينكم، ويتلفونكم عن طريق الحق، {وما يُضلون إلا أنفسهم}؛ لأن المسلمين لا يقبلون ذلك منهم، فرجع الضلال عليهم، وعاد وباله إليهم، وتضاعف عذابه عليهم، {وما يشعرون} أن وباله راجع إليهم.
ثم صرّح الحق تعالى بعتابهم، فقال: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله} المنزلة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتجحدون رسالته؟ {وأنتم تشهدون} أنها من عند الله، وأنه نبيّ الله، وهو منعوت عندكم في التوراة والإنجيل، والمراد أحبارهم، أو تشهدون أنه نبيّ الله بالمعجزات الواضحات. {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل} بالتحريف وإبراز الباطل في صورة الحق، حتى كتمتم نعت محمد وحرفتموه، وأظهرتم موضعه الباطل الذي سولت لكم أنفسكم؟ {وتكتمون الحق}؛ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، {وأنتم تعلمون} أنه رسول الله حقّاً وأن دينه حق، أو: وأنتم عالمون بكتمانكم.
الإشارة: ترى كثيراً من أهل الرئاسة والجاه من أولاد الصالحين، وممن ينتسب لهم، إذا رأوا من ظهر بالخصوصية في زمانهم يتمنون إضلالهم وإطفاء أنوارهم، خوفاً على زوال رئاستهم، {وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون}، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]، وهذه نزعة يهودية سببها الحسد، والحسود لا يسود، وبعضهم يتحقق بخصوصية غيرهم، فيكتمها وهو يشهد بصحتها، فيقال لهم: {لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون}؟ و{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}؟


قال الحسن والسدي: تواطأ اثنا عشر رجلاً من يهود خيبر- يعني من أحبارهم- وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان لا بالاعتقاد، واكفروا به آخره، وقولوا: نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبه، وإنما نفعل ذلك حتى نشكك أصحابه. اهـ. فحذَّر الله المسلمين من قولهم، فقال جلّ جلاله: {وقالت طائفة من أهل الكتاب} يعني: أحبارهم: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا} وأظهروا الدخول في دينهم، {وجه النهار وكفروا آخره} وقولوا: نظرنا في كتبنا، وشاورنا علماءنا، فلم نجد محمداً بالنعت الذي في التوراة، لعل أصحابه يشكون فيه- لعنهم الله وأضلّ سعيهم.
وقيل: نزلت في شأن الكعبة، فإنَّ كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف- من اليهود- قالا لأصحابهما: صلّوا معهم إلى الكعبة أول النهار، ثم صلّوا إلى الصخرة آخره، لعلهم يقولون: هم أعلم منا، وقد رجعوا، فيرجعون، ففضحهم الله وأبطل حيلهم الواهية.
الإشارة: ترى كثيراً من الناس يدخلون في طريق القوم، ثم تثقل عليهم أعباؤها، فيخرجون منها؛ إما لضعفهم عن حملها، أو لكونهم دخلوا مختبرين لها، أو على حرف أو حيلة لغيرهم، فإذا رجع أحد منهم قال الناس: لو كانت صحيحة ما رجع فلان عنها، ويصدون الناس عن الدخول فيها والدوام عليها، وهذه نزعة إسرائيلية، قالوا: آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لتَسْلُكن سَنَنَ مَنْ قَبْلكم شِبْراً، وذِرَاعاً بذرَاع، حتى لَوْ دَخلُوا جُحْر ضَبٍّ لدخلْتُموه، قالوا: اليَهُود والنًّصَارَى؟ قال: نعم، فَمنْ إذن» وبالله التوفيق.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12